تاريخ اليوم:

قدرت الخسائر التي تكبدتها الخزينة العمومية في ملف السيارات المستوردة والتلاعب بالفواتير مع التهرب الضريبي بما يقارب 200 مليار سنتيم، حيث واجهت محكمة القطب الاقتصادي والمالي إطارات الجمارك المتهمين في ملف الحال بوقائع التصفية وتخفيض الرسوم الجمركية على السيارات الفخمة المستوردة، وصلت إلى حوالي 50 بالمائة، من خلال التلاعب بالمادة 16 من قانون الجمارك، وعدم الاعتماد على الدليل الدولي المرجعي لأسعار السيارات “ARGUS”، والتواطؤ مع أصحاب السيارات الفاخرة الذين قاموا بتزوير فواتير الشراء.

تجاوزات استيراد السيارات تكبد خزينة الدولة خسارة 200 مليار

“البورش، بيام دوبولوفي، مرسيدس، لومبرغيني، تيقوان، طويوطا” وغيرها.. هي علامات لسيارات فاخرة تم شراؤها من دول أوروبية بأسعارها الحقيقية ودخلت إلى الجزائر، ليتم تصفيتها وجمركتها بطرق ملتوية وبنصف سعرها الحقيقي، بل تجاوزت نسبة تخفيضها 50 بالمائة، وهو ما أثبتته مراسلة المكتب المركزي الوطني “أنتربول” الجزائر، والذي حصل على الفواتير الأصلية للمركبات محل التحقيق في إطار التنسيق مع نظيراتها بالبلدان المصدرة لتلك المركبات، ليتبين في الأخير بأن تلك الفواتير مزورة وأن القيم المدرجة بفواتيرها الأصلية مطابقة لتلك المدرجة بالدليل المرجعي للأسعار “ARGUS” المعمول به من طرف إدارة الجمارك، إلا أن مفتشي التصفية للجمارك قاموا بعملية جمركتها بقيم مخفضة ظاهرة ومبالغ فيها، من دون الرجوع إلى القيم المدرجة به.

كما أسفرت التحقيقات عن وجود تلاعبات كبيرة تمت على مستوى ميناء الجزائر، خاصة خلال السنوات 2020، 2021، 2022، شملت بصفة خاصة المركبات الفاخرة، الهدف منها هو التخفيض غير القانوني في الرسم المستحق عن طريق إدراج وثائق غير أصلية بداية من فاتورة الشراء التي تحوي قيما منخفضة وكذا شهادة المطابقة التي تحمل الخصائص التقنية للمركبة، شملت 879 مركبة، من مجموع 29 ألفا و437 مركبة تم استيرادها من طرف الخواص عبر ميناء الجزائر، تمت جمركتها بقيم مخفضة.

 

السيارات الفاخرة والتلاعب بقوانين الجمهورية

وقد انطلقت الخميس 25 جويلية الجاري، على مستوى الفرع الرابع للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، محاكمة الفساد الذي طال قطاع الجمارك، المتابع فيه 64 متهما، بينهم 14 إطارا جمركيا إلى جانب عاملين بالميناء، بينهم نساء وكذا 12 وكيلا للعبور، والذين وجهت لهم تهم تتراوح بين التبديد العمدي للأموال، التخفيض غير القانوني للرسوم والحقوق وإساءة استغلال الوظيفة.

القاضي بعد أن قام بالمناداة على جميع المتهمين والأطراف المعنيين بالمحاكمة، وفقا للإجراءات المعمول بها، تلا على الحضور حيثيات انطلاق قضية الحال، وقال إن الوقائع انطلقت من معلومات وردت إلى مصالح الدرك الوطني مفادها بأن بعض إطارات الجمارك العاملين في ميناء الجزائر يرتكبون أفعالا يعاقب عليها القانون من خلال تواطؤ هؤلاء مع أصحاب السيارات الفاخرة المقتناة من دول أوروبية والذين لجأوا إلى أساليب غير قانونية من خلال تزوير فواتير بتخفيض أسعار الشراء بغرض التخفيض من رسومها جمركتها.

كما أن التحريات توصلت إلى أنه وبمجرد وصول هذه المركبات إلى ميناء الجزائر، يتواصلون بالمفتش الرئيسي للنظام الخاص بميناء المسافرين بالجزائر العاصمة، الذي يتكفل بإجراءات جمركتها مقابل تلقيه مبالغ مالية، فيما وصلت معلومات إلى عناصر الدرك الوطني مفادها أن كل المركبات الفاخرة من نوع “PORCHE” و”BMW” المستوردة خلال سنة 2022 تم تزوير فواتيرها بتخفيض مبالغ شرائها بنسبة تبلغ حوالي 50 بالمائة.

وأفضى التحقيق حول عمليات الاستيراد المشبوهة التي تمت عبر ميناء الجزائر إلى وجود 879 عملية استيراد مشبوهة، وتم الحصول على 843 ملف منها، كما تم معاينة 72 فاتورة مزورة و22 ملفا لا تطابق فيها قيم الشراء المدرجة على الفواتير بالأحرف اللاتينية مع القيم المدرجة بالأرقام، فيما تبين أن 112 سيارة قادمة من فرنسا تم إدخالها إلى أرض الوطن بدون شهادة مطابقة، وأصحابها قدموا عوضا عن ذلك استمارات لطلبات ترقيم السيارة من قبل أصحاب محلات بيع السيارات، مما يشير إلى غياب الرقابة الدقيقة لمفتش التصفية.

وتطرق القاضي خلال استجواب المتهمين بالتفصيل إلى تقرير الخبرة القضائية الذي أمر به قاضي التحقيق، حيث واجه المتهمين بوقائع تصفية الملفات والخسائر التي تسببت فيها كل سيارة مستوردة خلال عملية التصفية، وبين كل المبالغ المصرح بها والقيم المرجعية لكل سيارة والفرق الموجود بينهما، إلى جانب التلاعب بالمادة 16 من قانون الجمارك، والتي تحدد كيفيات الوصول إلى القيمة، من خلال الاعتماد على فواتير غير صحيحة عبر “تخفيض رهيب” للفواتير، وصل إلى نصف السعر الحقيقي للسيارة، مما تسبب في التهرب الضريبي، بغية الحصول على تخفيضات في قيمة الرسوم والحقوق الجمركية “TVA- DD” ، مما كبد خزينة الدولة ملايير الدينارات، وهي المبالغ التي كشفت عنها الخبرة القضائية.

كما لامت هيئة محكمة القطب الاقتصادي والمالي مفتشي التصفية لقيامهم بجمركة السيارات بدون الرجوع إلى الدليل الدولي المرجعي لأسعار السيارات “ARGUS” والذي يحدد قيم وأسعار السيارات في السوق الدولي، حسب النوعية والطراز وقوة المحرك، كما يتضمن جميع نماذج السيارات المصنعة والمسوقة في الخارج، ويتم اعتماد هذه الأسعار كمرجعية لتسيير المخاطر من طرف الدولة، من خلال مقارنتها بتلك التي يتم التصريح بها من طرف الأفراد، ورصد أي ملف كاذب.

وفي حال المخالفات أو “وضعية شك”، يتم تطبيق المادة 16 من قانون الجمارك على المستورد صاحب السيارة، وفي حال لم يقدم المستورد التبريرات القانونية اللازمة، تعتمد مصلحة الجمارك المعنية مناهج أخرى لتقييم السيارة تم النص عليها في قانون الجمارك، كما أن القيمة المعلن عنها في هذا الإطار تشكل أرضية لحساب حقوق الرسوم الإلزامية وهي حصيلة السعر المعتمد في قاعدة البيانات، يتم خصم منها قيمة الرسم على القيمة المضافة المعتمدة بالبلدان الأوروبية والتي تعادل 20 بالمائة، ويضاف إليه سعر الشحن البحري.

كما خاض القاضي في مضمون تقرير المفتشية العامة للمالية، الذي أزال الستار عن فساد رهيب في تبديد الأموال العمومية بالعملة الوطنية والصعبة في عمليات مشبوهة لاستيراد مركبات عن طريق تزوير وتخفيض القيمة المصرح بها، واستعمال نفس المراجع أكثر من مرة لجمركة السيارات السياحية خاصة الفخمة منها، قائلا “كارثة حقيقية عندما تقدر القيمة المالية للخسارة بين 1 و3 ملايير عن السيارة الواحدة فقط ..هذا رهيب ؟”.

وبالمقابل، فإن المتهمين من فئة مفتشي تصفية التصريحات الجمركية، أجمعوا على أنهم مارسوا مهامهم وفقا لقوانين الجمهورية وما تضمنه قانون الجمارك في مادته 16، وأنهم في حالة الشك في الفواتير كانوا يلجأون إلى زملائهم أو مواقع الانترنيت الخاصة ببيع وشراء السيارات أو اللجوء إلى طريقة المقارنة مع القيمة التعاقدية لبضائع مطابقة، إذ يتم مقارنتها ببضائع مماثلة، كما أرجعوا عدم اعتمادهم على الدليل الدولي المرجعي لأسعار السيارات “ARGUS” والذي يحدد قيم وأسعار السيارات في السوق الدولي إلى عدم تزويد المصلحة به.

 

مارست مهامي وفقا لقانون الجمارك

القاضي يشرع في استجواب المتهمين من فئة مفتشي تصفية التصريحات الجمركية والبداية مع المتهم “ب.عباس”، الذي أنكر التهم الموجهة إليه، ويوضح لهيئة المحكمة أنه مارس مهامه بكل المقاييس ووفقا لقوانين الجمهورية، التي تضمنها قانون الجمارك، ليجد نفسه متابعا في محكمة الحال بتهم ثقيلة لا ناقة له فيها ولا جمل.

القاضي: أنت متابع بجنح التبديد العمدي للأموال، التخفيض غير القانوني للرسوم والحقوق، إساءة استغلال الوظيفة.. هل تعترف أم تنكر؟

المتهم: لا سيدي الرئيس، أنكر التهم الموجهة لي جملة وتفصيلا.

القاضي: ماذا كنت تشتغل في الميناء ومتى باشرت عملك؟

المتهم: التحقت بالجمارك سنة 1993 وشغلت عدة مناصب ومهام، آخرها مفتش تصفية بالمفتشية الرئيسية للأنظمة الخاصة بميناء الجزائر من 2018 إلى 2020.

القاضي: كل هذه السنوات قضيتها في الميناء؟

المتهم: نعم سيدي الرئيس.

القاضي: ما هي مهامك بالضبط؟

المتهم: مهامي تتمثل في جمركة جميع البضائع الواردة ومن ضمنها السيارات.

القاضي: القيمة الجمركية للسيارات من يحددها؟

المتهم: سيدي الرئيس، نحن نستند على المادة 16 وما يليها من قانون الجمارك إلى جانب الفاتورة.

القاضي: من خلال الخبرة التي أمر بها قاضي التحقيق، فقد قمتم بتصفية 10 ملفات، تسببتم من خلال تخفيض في فوترة السيارات في خسائر تقدر بـ5 ملايير و300 مليون سنتيم، كيف تفسرون ذلك؟

المتهم: سيدي الرئيس نحن ملزمون بالعمل والتسيير وفقا لقوانين الجمهورية، كما قلت لكم نعتمد على المادة 16 من قانون الجمارك، والقاعدة الأولى في التقييم قائمة على القيمة التعاقدية، أي السعر المدفوع فعلا والمستحق عن بيع البضائع من أجل التصدير إلى الإقليم الجمركي الجزائري، وفي حال غياب القيمة التعاقدية أو رفضها لعدم توفر شروط تطبيقها يتم اللجوء وبصفة ترتيبية إلى الطرق المنصوص عليها في قانون الجمارك وهي طريقة المقارنة مع القيمة التعاقدية لبضائع مطابقة، إذ يتم مقارنتها ببضائع مماثلة.

وتابع المتهم تصريحاته “هذه السيارات دخلت في سنة 2022، ويستلزم أن تكون مستوفية للشروط الجمركية وقبلها الشرطية، على شاكلة الفاتورة، شهادة المطابقة وشهادة الترقيم.. سيدي الرئيس، سيارة مرسيديس هي التي رفعت المبلغ إلى 5 ملايير سنتيم”.

القاضي: كيف تم تصفية ملف جمركة سيارة نوع MERCEEDES KIT AMG G63 بمعنى كيف تم تحديد قيمتها؟

المتهم: من خلال الفاتورة فإن القيمة المصرح بها كانت 45 ألف أورو وأنا عاينت المركبة وقمت بمراجعتها بعد ما تأكدت أنها لا تتناسب مع تاريخ صنعها الذي يعود إلى سنة 2019، وهي دخلت إلى الجزائر في 2020 وعلى هذا الأساس رفعت القيمة إلى 65 ألف أورو أي بزيادة مبلغ 20 ألف أورو، بعد أن تفحصت موقع بيع السيارات أين اكتشفت القيمة الحقيقية التي تتراوح بين 93 ألفا و100 ألف أورو.

القاضي: نحن نتحدث عن تحديد القيمة.. وماذا عن “ARGUS”؟

المتهم: سيدي القاضي، الدليل المرجعي الخاص بأسعار “ARGUS” هو مجلة فرنسية خاصة تنشر أسعار بيع السيارات في أوروبا، وأنا ما “لحقتنيش”، إذ لم يتم وضعها تحت تصرفنا وقتها.

القاضي: زملاؤك قاموا بتصفية ضعف عدد الملفات التي عالجتها أنت، إلا أن قيمة الأموال المبددة تساوي بالتقريب المبلغ المالي الذي بددته أنت وحدك؟

المتهم: الضبطية القضائية واجهتني بسيارات وعند مثولي أمام قاضي التحقيق واجهني بـ10 ملفات.

القاضي: وماذا عن سيارة “توارق”؟

المتهم: سيارة “التوارق” تم استيرادها عن طريق رخصة المجاهدين وهنا ليس بحاجة إلى التلاعب بالفاتورة، لأنها في الأصل معفية من الرسوم الجمركية.

القاضي: بالنسبة للمركبتين من نوع “تويوتا لاند”، كيف تم تصفية الملفات وتحديد الأسعار، على ماذا اعتمدت؟

المتهم: السيارة الأولى كانت القيمة المصرح بها هي 24 ألفا و816 أورو وبعد المعاينة قمت بمراجعة القيمة ورفعتها إلى 30 ألفا و456 أورو وهي قادمة من دبي وبمعايير الدول الإفريقية، أما السيارة الثانية فإن القيمة المصرح بها هي 33 ألفا و636 أورو فقد قبلتها وفقا لنفس الأسس القانونية.

القاضي: هل تلقيت ضغوطات من مسؤوليك في هذا الإطار؟

المتهم: لم أتلق أي ضغوطات أو تدخلات من المسؤولين بأي شكل كان لتصفية ملف جمركة سيارة بطريقة مخالفة للقانون أو بقيمة منخفضة أو اعتمادا على وثائق مزورة.

القاضي: هل حدث لك وأن لم تتمكن من تحديد سعر سيارة ما؟

المتهم: في هذه الحالة ألجأ إلى زملائي وأستشيرهم في الأمر، أو أستند على المواقع الخاصة ببيع وشراء السيارات لتحديد القيمة الحقيقية للمركبة، وبطبيعة الحالي عندما ألاحظ أن الفاتورة منخفضة أعرف أن زملائي في الرقابة اللاحقة لهم كل الصلاحيات في إعادة فحص الملف والتأكد من صحة الوثائق والتصفية الإضافية.

القاضي: لماذا لم تعتمدوا في التصفية على الدليل المرجعي الخاص بأسعار “ARGUS”؟

المتهم: كما سبق وأن قلت لكم سيدي الرئيس، لم يتم تزويد المصلحة به خلال الفترة التي عملت بها، وبعض السيارات مثل تلك المستوردة في دبي غير مدرجة أصلا في هذا الدليل.

القاضي: لكن 5 ملايير و300 مليون سنتيم في 10 سيارات، مبلغ ضخم جدا؟

المتهم: نعم، سيدي الرئيس.

القاضي: كارثة حقيقية عندما تقدر القيمة المالية للخسارة بين 1 و3 ملايير عن سيارة واحدة فقط.. هذا رهيب؟

المتهم: سعر السيارات التي تباع هنا في الجزائر هو السعر الموازي.

المصدر : جريدة الشروق

 

عن الكاتب

  • كريم خالدي

    صحفي متخصص في السيارات

واجهة السيارات